1
لغتنا والتقدم العلمي
ثم ألم تصل بعض الأمم في عصرنا الحديث كالصين واليابان إلى ذرا النهضة الصناعية من غير أن تتخلى عن لغاتها الوطنية؟ وهل كانت لغتهم القومية حائلاً دون تقدمها العلمي والصناعي؟ ثم لم يصدق ذلك على تلك الأمم ولا يصدق على أمتنا؟!
من الواضح أن اللغة هي ثمرة من ثمار التفكير الإنساني، وعن طريقها يقوم العقل الإنساني بالعمليات التفكيرية من تجريد وتحليل واستنتاج وموازنة وربط وإدراك للعلاقات بين الظواهر، وبذلك تكون اللغة أداة المرء في السيطرة على بيئته.
ولا شك في أن اللغة الوطنية هي جزء أساسي من كيان المجتمع، يلازمه منذ طفولته، ويرافقه في كل طور من أطوار حياته. وتفكير المرء بلغته القومية المعبرة عن محيطه وحياته وخبراته السابقة تكون له ثماره أكثر مما لو هجر هذه اللغة إلى غيرها .. ومن هنا تكمن الخطورة في التخلي عن اللغة العربية في تعليم بعض المواد العلمية والاقتصار على اللغة الأجنبية، إذ إن في ذلك هدماً للروح الوطنية والشخصية القومية المتمثلة في وشائج الفصحى.
أما ما يحتج به هؤلاء من قلة المجلات العلمية المتخصصة، ومن ندرة المؤتمرات العلمية الجادة والأبحاث المشهورة فليس مرده إلى اللغة، وإنما مرده إلى المتكلمين باللغة، إذ إن ظروف الحياة التي يعيشها المتخصصون العرب لا توفر لهم المناخات العلمية للإنتاج والإبداع، كما أن كثيراً من إمكانات العرب المادية لم توجَّه إلى البحاث العلمي الجاد والأخلاق, ولا أدَّل على ذلك من أن المتخصص العربي عندما توفر له إمكانات البحث في الدول الغربية فإن أبحاثه تكون في المقدمة, إذ كثيراً ما نسمع عن نشاطات البحاثة العرب في جامعات أوروبا وأمريكا ومعاهدها, حيث نشر الكثير من أبحاثهم الرائدة في مختلف ميادين المعرفة, ولو أن ما توافر لهم هنالك توافر لهم في أرضنا العربية من حيث المخابر والأدوات والوسائل والراحة النفسية, فإن مما لا شك فيه أن أبحاثهم كانت هي الأبحاث نفسها إن لم تكن أجود وأغنى .
وأما ما يقوله بعضهم من أن المعيشة التي يتوخاها هي المعيشة العلمية التي تستند فيها الحقائق إلى البينات لا إلى العقائد فقول مردود, إذ لم تكن العقيدة الإسلامية, متمثلةً في القرآن الكريم, بحائلة دون التفكير العلمي, لا بل العكس, كانت مشجعة له داعية إليه. ﴿وَلا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا –الإسراء 36﴾صدق الله العظيم.
أليست الحواس سبيل المرء للمعرفة العلمية؟ كما دعا القرآن الكريم – ينبوع العربية الفصحى إلى المنهج العلمي في التفكير حيث ورد ذلك في كثير من الآيات.
والرُّسول العربي, لو أراد أن يبني العقيدة على الغيبيات لكان استغل كسوف الشمس يوم وفاة ابنه إبراهيمَ, ولكنه بتفكيره العلمي قال لأصحابه (( إن الشمس لا تكسف لموت أحد ولا لحياة أحد )) , وكثيرا ما كان يردد قول الله :﴿قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا﴾ (سبأ / 46)
ولا شك في أن التفكير في خلق السموات والأرض، وفي مظاهر الكون وظواهر الطبيعة، هو الذي يؤدي إلى أن يتحكم الإنسان ببيئته، والتفكير في حد ذاته هو كلام نفسي، والكلام هو تفكير جهري.
أما ما شاب الحياة العربية والإسلامية من ترهات وغيبيات فليس مرده إلى العقيدة، وإنما إلى ما تسرب إلى المجتمع العربي من الأقوام المجاورة، ثم جاء الاستعمار ليعزز هذه الترهات، وليشجع تلك الطرائق بغية إبعاد العرب عن عقيدتهم الأصلية التي تدعو إلى العمل والمنهج العلمي في التفكر.
وخلاصة القول: إن العربية بما فيها من سمات، وما تمتاز به من خصائص، ليست بعاجزة عن استيعاب المعارف المعاصرة فقد استوعبت علوم السابقين في الماضي، وأثبتت قدرتها وجدارتها في بعض الجامعات العربية على تمثل العلوم المعاصرة، وإذا كنا نجد بذور بعض النظريات الغربية الحديثة في بعض فنون المعرفة متمثلاً في تراثنا العربي، فإنه مما لا شك فيه أن تفكير علمائنا الأولين ونتاجهم العلمي كانا بالعربية الفصحى.
فهذا ابن خلدون يسبق أصحاب نظرية (الجشتالت) في علم النفس من حيث إن إدراك الكل يسبق إدراك الجزء. وسبق (الغزالي) و (ابن سينا) كلاً من (روسو) و (مونتسوري) و (ديوي)، وغيرهم من أرباب التربية الحديثة، من حيث الاهتمام بميول الطفل واهتماماته، ودور الدافع في عملية التعلم. كما سبق (الجاحظ) و (خلف بن حيان الأحمر البصري) كلا من (ليونارد) و (وارد) و (ايكن) من علماء اللغات الغربيين في الإشارة إلى وظيفة اللغة في الحياة، والنفعية الاجتماعية للغة.
إن في الحفاظ على اللغة الوطنية حفاظاً على الشخصية الوطنية، وإن خدمة الأمة العربية تكون بتمثل لغتها القومية، ثم الأخذ باللغات الأجنبية الأخرى. أما أن يكون هناك تمسك باللغات الأخرى على حساب اللغة القومية فهذا أسلوب لا يلجأ إليه إلا من أراد لهذه الأمة التخلف لا التقدم كما يدعي.
إننا نفتح أبواب نهضتنا لسائر اللغات والتيارات بشرط ألا تقتلعنا من جذورنا، ولله در الشاعر السوري (بدوي الجبل) إذ يقول:
وإذا رفت الغصون اخضراراً ... فالذي أبدع الغصون الجذور
طالما يتردد في أوساطنا التعليمية أن اللغة العربية لا تواكب روح العصر، عصر العلم والتكنولوجيا، وأنها متخلفة لا تصلح لاستيعاب النهضة العلمية المعاصرة، وأن على أبناء العربية كي يكونوا متدنين فعلاً ومتسمين بالرقي أن يدرسوا فنون المعارف العلمية من طب وهندسة وجيولوجيا وكيمياء باللغات الأجنبية.
ويستشهد بعض أرباب هذا الاتجاه على ضعف اللغة العربية في هذا المجال بضآلة المجلات العلمية التي تصدر في الوطن العربي، وبقلة المؤتمرات العلمية الدولية التي تقام في هذا الوطن، ثم بندرة الأبحاث العلمية المبتكرة المنشورة على امتداد الأرض العربية.
ولقد بلغت الجرأة ببعض من ينحون هذا المنحى إلى القول: إن اللغة العربية لا ترضي مثقفاً في العصر الحاضر، ولا تخدم الأمة ولا ترقيها، لأنها عاجزة عن نقل مئة من العلوم التي تصوغ المستقبل، وبدافع الحرص على رقي الأمة تنطلق إحدى الصيحات قائلةً: إن الرقي الذي ننشده يعني أننا نعيش المعيشة العلمية، حيث تستند الحقائق إلى البينات لا إلى العقائد .. لهذا السبب ينبغي أن تكون لغتنا علمية وثقافتنا كوكبية، وكتابتنا لاتينية. وتستبد الحماسة ببعض هؤلاء فيقول: " إنه فكر في أمراض هذه الأمة، فألفى أن مرادها إلى التمسك باللغة الفصحى".
تلك هي بعض أشكال هذه الدعوة، والواقع يجد من يتتبع جذور هذا الاتجاه أنه نشأ في أواخر القرن الماضي على يد مستشرق ألماني يدعى الدكتور (سبيتا)، وقد ذهب هذا المستشرق إلى أن العربية الفصحى سيكون مآلها إلى الموت كما حدث للاتينية، وأن الغلبة ستكون للهجات المحلية التي ستأخذ مجالها الفعال على أن تكتب بحروف لاتينية.
وجاء من بعد (سبيتا) من دعا إلى العامية وهجران الفصحى مثل المهندس البريطاني (ويلكوكس) والقاضي (ويلمور).
أن تنطلق هذه الصيحات من الأجانب أمر طبيعي، نظراً لأن هؤلاء يدركون الإدراك كله، ويؤمنون أعمق الإيمان، أن اللغة العربية الفصحى هي الرابطة التي تجمع بين أبناء العروبة في سائر أصقاعهم، وأن هجران أبناء العروبة للغتهم الفصحى يؤدي إلى تفتيت عرى هذه الأمة وإبعادها عن ماضيها، وتثبيت التجزئة والانفصال بين أقطارها، وبذلك يسهل على المستعمرين استغلال الأرض العربية بكل ما فيها من إمكانات، وما تزخر به من طاقات، إذ إن في وحدة الأمة العربية خطراً يهدد مصالح هؤلاء.
قلت، أن نسمع هذه الصيحات من الأجانب أمر لا يدعو إلى الدهشة والاستغراب، أما أن يحمل لواء هذه الدعوة نفر من أبناء العربية، وبعضهم أعضاء في مجامع لغوية، فهذا ما يدعو إلى التعجب والدهشة ! وإما أن تكون بذور هذه الدعوة مغروسة في أذهان الكثيرين من ناشئتنا فهذا ما يدعو إلى التساؤل والاستغراب !
أليس من المدهش أن نسمع أحد أبناء العروبة يعزو عدم رقينا إلى عجز لغتنا العربية عن نقل مئة من العلوم التي تصوغ المستقبل، ويقصد بهذه العلوم: الكيمياء، الفيزياء، الجيولوجيا، الطب .. إلخ؟ ألم تتمثل لغتنا العربية التراث العلمي والفلسفي لأعرق الحضارات المعروفة في التاريخ من دون أن تنزل عن سماتها وأصولها؟ ألم تنقل رسائل جابر بن حيان في الكيمياء والرازي وابن سينا في الطب والخوارزمي في الرياضيات إلى اللغات الأوروبية، حتى لقد أعيد طبع كتاب ابن سينا أكثر من عشرين مرة؟ ألم يكن كتاب الشريف الإدريسي المصدر الأول في الجغرافية إبان عصر النهضة؟
كيف تمكن العلماء الأجانب من نقل علومنا العربية في الطب والكيمياء والرياضيات والجغرافيا إلى لغاتهم، ولا تتمكن لغتنا العربية من استيعاب المصطلحات الأجنبية حتى ترمى بالتخلف والعقم؟ ألم تشر الباحثة الألمانية (زيغريد هونكه) في مؤلفها النفيس (شمس الإسلام تسطع على الغرب) إلى أن الحضارة العربية هي التي أضاءت لأوروبا الطريق، فنهضت بها من ظلمات القرون الوسطى إلى عصر النهضة؟
ألم يقم بعض المستشرقين بتدريس المواد العلمية باللغة العربية من أمثال الدكتور (كرنيليوس) الذي درس الكيمياء والنبات والجيولوجيا والفلك و الطبيعة بالعربية والتي له فيها مؤلفات أيضاً فر الرياضيات والفلك؟ ألم تعتد جامعة دمشق منذ تأسيسها إلى تدريس جميع المواد باللغة العربية، وألف بعض أساتذتها مجلدات ضخمة في هذا المجال، سواء في الطب أو في الكيمياء أو في الطبيعية أو غيرها من المواد العلمية؟ ألم يستند هؤلاء العلماء في تألفيهم إلى المصطلحات العلمية التي خلفها أجدادهم في ميادين المعرفة، ثم ترجموا المصطلحات الأجنبية إلى اللغة العربية من غير أن تكون هذه اللغة حجر عثرة في طريقهم؟
أ
حدد الرد المناسب للادعاء الآتي على لغتنا : أن اللغة العربية لا تواكب روح العصر (عصر العلم والتكنولوجيا)
ب
حدد الرد المناسب للادعاء الآتي على لغتنا : اللغة العربية تحول دون التفكير العلمي.
ج
علل بقاء اللغة العربية حتى يومنا هذا.
د
حدد هدف الكاتب من عرض الأفكار
ه
حدد إسهامات العلماء العرب المسلمين في بناء الحضارة
و
حدد أهمية التمسك باللغة العربية الفصحى تتجلى في:
ز
ما هدف الكاتب من هذا الموضوع؟
ح
لأنها عاجزة عن نقل مئة من العلوم حدد نوع الصورة البيانية في العبارة السابقة :
ط
حدد نوع الصورة البيانية في العبارة الحضارة العربية هي التي أضاءت لأوروبا الطريق.
ي
حدد نوع الصورة البيانية في العبارة اللغة هي ثمرة من ثمار الفكر الإنساني.
ك
وضح سمات أسلوب الكاتب في الموضوع .